خصائص الوساطة الأسرية
في البداية وقبل التطرق إلى
الخصائص وجب التذكير على أن الوساطة بالمغرب تنقسم إلى الوساطة الأسرية الإتفاقية
والوساطة الأسرية القضائية
1-الوساطة الأسرية القضائية:
وهي تلك الوساطة التي تمارس بإشراف من القضاء
وتوجيه وتتطلب بضرورة وجود نزاع معروض أمام هذا الأخير، وفي هذا الإطار نميز بين
حالتين أو نوعين من الوساطة الأسرية القضائية، فهي إما أن تباشر من طرف قاض من
القضاة المكلفين بقضايا الوساطة وهي القاضي الوسيط، وإما أن يقوم بها وسيط محترف
تعينه المحكمة المعروض عليها النزاع من ضمن قائمة الوسطاء المعتمدين لديها، والذي
يكون في غالب الأمر من دوي الخبرة في الميدان القانوني كثاض متقاعد أو محام أو
خبير ويمكن أن يكون الوسيط مؤسسة مختصة في الوساطة كمكتب للدراسات والاسنشارات
القانونية أو جمعية مهنية أو شركات متخصصة في الوساطة الأسرية، في هذا الإطار نجد
بعض المحاكم الأجنبية كالأمريكية منها أو البريطانية يمارس لدبها وسطاء معينون
بصفة منتظمة كما نجد وسطاء يعملون بمراكز ومعاهد متخصصة في الوساطة قد تستعين بهم
هذه المحاكم في القيام بالوساطة.
وعليه فإن دور القاضي الوسيط لا يمكن أن يكون خصما
وحكما في نفس الوقت، وإنما تبقى مهمته تقريب وجهات النظر بين الأطراف من جهة،
وتدبير الخلاف بشكل ودي ومقبول من جهة أخرى، إذ أن الوسيط لا يملك أية وسلطة في
ذلك، لأن القضاء هو الموكل له بالبت في النزاع الأسري حالة فشل الوسيط في مهامه،
مما يوضح وبشكل جلي أن تدخل القضاء في هذا الصدد يتم على مستويين مستوى يقوم فيه
بدور وقائي تحفظي على سلامة الإجراءات القانونية، ومستوى ثان يمكن في الأمر باتخاذ
إجراءات إدارية قضائية للوصول إلى حل النزاع بمساعدة وسيط الأسرة.
2-الوساطة الأسرية الاتفاققية
وهي التي
يتفق عليها الطرفان دون أن يكون هناك أي نزاع معروض بينهما على المحكمة ومن خلالها
يسعيان بمحض إرادتهما إلى الوصول إلى اتفاق لتسوية خلافاتهما العائلية بمساعدة
وسيط الأسرة، الذي يشرف على عملية حل النزاع دون أن تكون له الصلاحية لصنع القرار
وتكون هذه القناععة باللجوء إلى الوساطة وليدة الإرادة للأطراف المتنازعة، لذلك فهي
تبقى اختيارية وطوعية وملزمة، ويتم اختيار الوسيط الأسري في الوساطة الاتفاقية،
بناء على رضا الطرفين المشترك، واعتماد على ما يتمتع به الوسيط من قيم ومؤهلات
علمية وعملية، تؤهله للقيام بفتح الحوار بين الطرفين، وتهيء أجواء التواصل و
التفاهم التي تساعدهما على تغيير التصورات، واستعراض الأطروحات الممكنة والبدائل
للوصول إلى أنسب نقطة تفاهم في المستوى الذي تلتقي فيه مصالحهما والانتهاء إلى
قرار يضع للنزاع ثم صياغته والمصادقة عليه.
أولا: خصائص الوساطة
الأسرية
تتسم الوساطة الأسرية بشكل
عام والوساطة بشكل خاص بعدة خصائص تنفرد بها غيرها م الوسائل البديلة لحل
النزاعات، ومن أهم هذه الخصائص:
1-السرية:
إن الوسيط
في إطار جلسات الوساطة مطالب لضمان سريتها في كل ما يروج خلالها، لأن من شأن ذلك
أن يؤدي إلى إفشاء الأسرار الخاصة بالحياة الزوجية من جهة وإلى تعميق البحث وتأجيج
الصرار من جهة أخرى.
هنا بخلاف ما توفره مسطرة
التقائي التي لها ميزة أخرى وهي العلنية التي تجعلها مرافعة مفتوحة لا يتوانى من
خلاله أي طرف في استعمال كا معلومة تم الإدلاء به والبوح بها، وبهذا المعنى فإن
الوساطة الأسرية يجب أن تكون محاطة بالسرية التامة، نظرا لما توفره هذه الأخيرة
لطرفي العلاقة المتنازعين مجالا مريحا لتعبير بكل حريو واطمئنان عن مشاكلهما وعن
أسباب الخلاف بينهما.
وحرصا على الإبقاء على
السرية التامة لعملية الوساطة الأسرية، فإننا نقترح من خلال وجهة نظرنا المتواضعة
جدا أن يتم وضع مقتضيات قانونية زجرية سواء في القانون الجنائي أو القانون
المنظملمهنة الوساطة الأسرية تلزم كل من الوسيط والأطراف المنازعة بوجوب كتمان
السر المهني وعدم إفشائه للأغيار حتى تبقى جلسات الوساطة في سرية تامة وتسير على
أحسن وجه.
وانسجاما مع ذلك فقد عمل
المشرع المغربي من خلال القانون رقم 08-05 المنظم للوساطة الاتفاقية على
ضمان هذه الخاصية من خلال الفصل 327-66 من قانون المسطرة المدنية الذي
ينص على أنه:
"يلتزم الوسيط بوجوب
كتمان السر المهني بالنسبة إلى الأغيار وفق المقتضيات وتحت طائلة العقوبات المنصوصعليها
في القانون الجنائي المتعلق بكتمان السر المهني، ولا يجوز أن تثار ملاحظات الوسيط
والتصاريح التي يتلقاها أمام القاضي المعروض عليه النزاع إلا باتفاق الأطراف ولا
يجوز استعمالها في دعوى أخرى".
وهذا فيه إشارة واضحة إلى أن كل العروض أو
التنازلات التي يقدمها الأطراف في جلسات الوساطة لا يمكن أن تستعمل ضدهم في نفس
النزاع عندما يعرض على المحكمة.
2-الاختيارية
تعتبر الوساطة بطبيعتها
اختيارية بحيث لأن الأطراف يلجؤون إليها عن طواعية واختيار ما دامت تهدف للوصول
إلى حل توافقي ورضائي لذلك فإنه من العبث ومن الغير المعقول إجبار الأطراف على هذا
المسار.
3-المرونة:
من أهم مزايا الوساطة أنها
تتم في جو تنتفي فيه التوترات والمشاحنات التي تلازم عادة المحاكمة وتعمل على
اقتراح حل البديل الذي تجنب الأطراف هاجس احتمال خسارة الدعوى بسبب خطأ في الدفاع.
ولذلك فإن الوساطة الاسرية
وبخلاف المحاكم التقليدية التي تؤطرها عدة نصوص وقواعد شكلية وأخرى موضوعية وما
يحققها من تعديلات وتغييرات تقلص من حرية القاضي تتميز بالمرونة التي تسمح بتحريك
الوسيط بكل حرية بهدف الوصول إلى اتفاق ودي نهائي وإيجاد حل يرضي الأطراف جميعا,
4-السرية:
فمن بين
خصائص الوساطة الأسرية أيضا السرعة على اعتبار أن عامل الوقت في حل أي نزاع قد
يتطلب وقتا قياسيا وفي ظرف وجيز، هذا بخلاف ما عليه القضاء الرسمي بحكم طول
غجراءاته ومساطره المعقدة البطيئة والذي قد يستغرق مدد طويلة في الفصل في القضايا،
حيث يبقى أطرافه رهائن لإجراءات بطيئة وتأخيرات متناهية قد لا تكون دائما ضرورية
ومبررة مما تتفاقم معه الأضرار التي تنجم عن تحصيل الحقوق في أماد قصيرة بسبب عدم
حل النزاعات في أجل معقولة.
ومن هنا تأتي أهمية الميزة
التي تمتز بها الطرق البديلة وهي سرعة الحسم في النزاع والذي تتم فيه تسوية النزاع
في أجال قصيرة وأحيانا في إطار جلسة واحدة.
5-الحياد:
تعتبر صفة الحياد من أهم
الصفات التي ينبغي على من يفصل في انزاع أن يتحل بها، لذلك فإنه صار من الملزم على
الوسيط أثناء تسييره لمفاوضاته وجلساته أن يبتعد عن السلوك الذي من المحتمل أن
يظهره بمظهر التحيز، فهو لا يمكنه إجبار طرف على حل معين، وهو مقيد بقاعدة معينة
فسنده الوحيد في أداء مهمته هو إجراء الحوار وقوة الإقناع وحسن الاستماع والقدرة
على طرح عدة حلول وتصورات لكل النزاع.
6-مشاركة الأطراف في النزاع:
تكتسي هذه الخاصية أهمية كبيرة في تدبير النزاع
الأسري، كما تعد أهم ميزة تنفرد بها الوساطة الأسرية لذا فمن خلالها يتمكن الأطراف
في العلاقة الأسرية وبمساعدة الوسيط الأسري من استعادة التواصل والحوار بهدف
التوصل إلى الحلول المرضية لهما معا والحيلولة دون انفصال أسرتهما.
وعليه فإنه ما يميز الوساطة بالتحديد، هو أن
أطراف النزاع هم من يختارون الحل بأنفسهم بدل الخضوع له، فحل مشاكلهم العائلية يكون
بأيديهم وبمساعدة الوسيط طبعا بعد الحوارات والمفاوضات التي تجمعهم وتتيح لهم فرصة
المكاشفة والمصارحة لبعضهم البعض وتفريغ المؤاخذات المتبادلة، تم تهدئة النفوس
والتطرق إلى جوهر النزاع ومحولة إيجاد تسوية ودية لهم بتدخل الوسيط.
فبمشاركة الأطراف في النزاع وإتاحة الفرصة لهم
لكشف عن أسرارهم ومؤاخذاتهم في أنفسهم وتعاونهم الجا على إدارة النزاع والسيطرة
عليه وحله جميعا يبقى الطريق مهددا للوسيط بغية الوصول إلى حل ودي توافقي يتقبله
جميع الأطراف بشك تلقائي.
وإلى جانب هذه الخصائص التي
تمتاز بها الوساطة الأسرية هناك ميزة أخرى وتتجلى في كون الوساطة الأسرية تتسم
بقلة تكاليفها وبمحافظتها أكثر على العلاقات العائلية والاجتماعية بين الأطراف،
وبإنهائها للنزاعات الأسرية بشكل ودي يحافظ على الترابط العائلي أو على الاقل يحد
من آثار الصراعات داخل الاسرة وخاصة على الأطفال بإيجاد حلول دائمة مقبولة ومرضية
للجميع تحافظ على أدوار الوالدين تجاه أبنائها بعد انفصام العلاقة الزوجية.
وتأسيسا على ما سبق يتضح
بأن الوساطة بشكل عام والأسرية بشكل خاص ولما تتميز به من خصوصيات تنفرد عن باقي
الوسائل البديلة لفض النزاعات يبقى تفعيلها في المغرب رهين بالمحافظة على الخصوصية
المغربية عند تطبيقها من جهة وملائمتها للتشريع القانوني في مجال الأسرة.