مفهوم التحكيم
إن تحديد مفهوم
التحكيم يستلزم ذكر المفهومين اللغوي والاصطلاحي:
التحكيم لغة التفويض بالحكم وهو مصدر -حكم-
فالحاء والكاف والميم أصل واحد وهو المنع[1]،
يقال حكمت فلانا في كذا، أي فوضت إليه الحكم فيه، فاحتكم علي في ذلك[2]،
وفي القرآن الكريم قال تعالى: "وان خفتم شقاق بينهما فبعثوا حكما من أهله
وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينها إن الله كان عليما خبيرا"[3]
ثانيا:
التحكيم في الاصطلاح القانوني
أما في الاصطلاح القانوني يعرف التحكيم
بأنه: اختيار الأطراف لقاضيهم عن طريق إعمال شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم دون
اللجوء إلى المحاكم الرسمية، فهو بذلك عبارة عن نظام لحل المنازعات المدنية
والتجارية بين أفراد عاديين أو بين فرد ومؤسسة أو بين طرف من هذه الأطراف وبين
الدولة، أو أحد أشخاص القانون العام أو الخاص، وكيفما كانت صفة الأطراف المتنازعة
وجنسيتهما وتنظيمها القانوني، وذلك من خلال مدة معينة يحددونها، ومن خلال إجراءات
يختارونها وقانون يرتضون تطبيقه، حتى يصدر الحكم أو يلتزمون به، وقد تكون
المنازعات التي يتم تسويتها عن طريقه وضمن اختصاصه، مدنية أو تجارية أو عقارية، أو
منازعات حول تنفيذ احد العقود[4].
وتكاد تجمع مختلف التشريعات الحديثة كالتشريع
الفرنسي والمصري على أن التحكيم قضاء خاص، قوامه الاتفاق على طرح النزاع على شخص
معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة، وقامت بتنظيمه إما في شكل
قانون مستقل للتحكيم أو بتنظيمه في قوانينها الوطنية[5].
إلا أنها لم تتطرق إلى تعريف التحكيم لأن مسألة إعطاء التعارف غالبا ما تبقى من
اختصاص الفقه، بخلاف بعض التشريعات التي عملت على تعريفه، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع
الفرنسي الذي عرفه في المادة 1442 من قانون المرافعات بأنه:" اتفاق يتعهد
بمقتضاه الأطراف في عقد معين من العقود بإخضاع المنازعات التي يمكن أن تنشأ بينهم
في المستقبل للتحكيم."[6]
وعرفه المشرع
التنسي في الفصل الأول من مجلة التحكيم التنسية الصادرة سنة 1993 بأنه: "طريقة
خاصة لفصل بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة التحكيم يسند إليها الأطراف مهمة البت
فيها بموجب اتفاق التحكيم "[7].
والمشرع المصري الذي عرفه في المادة الرابعة من قانون التحكيم بأنه:
" ينصرف لفظ التحكيم في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع
بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق
الطرفين، منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن ذلك..."[8].
كما عرف المشرع
المغربي التحكيم بموجب قانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية في الفصل 306 من قانون المسطرة المدنية بأنه:
"حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء
على اتفاق التحكيم".
وعرف اتفاق
التحكيم في الفصل 307 من نفس القانون بأنه: "التزام الأطراف باللجوء إلى
التحكيم قصد حال النزاع نشأ أو قد ينشا عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير
تعاقدية. يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد التحكيم أو شرط التحكيم."
وعقد التحكيم
في الفصل 314 بأنه: "الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشا بينهم بعرض هذا
النزاع على هيئة تحكيمية".
أما شرط التحكيم فقد عرفه الفصل 316 من نفس
القانون بأنه:"هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم
النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور."
وقد حظي موضوع التحكيم عند الفقهاء باهتمام
كبير من طرف فقهاء القانون و نال دراسة كبيرة من لدنهم ووضعت له مجموعة من
التعارف:
فقد عرفه jean robert بأنه: نظام
لتحقيق العدالة الخاصة، وهي آلية وفقا لها يتم سلب المنازعات في الخضوع لولاية
القضاء لكي يتم الفصل فيها بواسطة أفراد عهد إليهم بهذه المهمة في واقعة الحال[9].
وعرفه R. david بأنه آلية تهدف غلى الفصل في مسألة
تتعلق بالعلاقات القائمة بين طرفين أو عدة أطراف بواسطة شخص أو عدة أشخاص، والذين
يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص ويفصلون في المنازعة بناء على هذا الاتفاق دون أن
يكونوا محولين بهذه المهمة من قبل الدولة[10].
أما jarosson فقد عرفه بأنه: النظام الذي
بموجبه يسوي طرف من الغير خلافا قائما بين طرفين أو عدة أطراف ممارسة لمهنة قضائية
عهدت إليه عن طريق هؤلاء الأطراف[11].
ويرى L. Cadit التحكيم بأنه مؤسسة من خلالها يخول أطراف النزاع
سلطة الفصل في النزاع إلى شخص أو أشخاص لما لهم من سلطة معنوية أو تقنية[12].
ويرى جانب من الفقه بأنه: يمثل أهم وسيلة
بمقتضاها يستغني الأطراف عن قضاء الدولة، فكما أن الأفراد يستطعون باتفاقهم حل
منازعاتهم بالصلح فيما بينهم، يستطعون عرض هذه المنازعة على شخص أو أشخاص
يختارونهم لكي يتولوا الفصل في هذه المنازعة.
وعرفه البعض
الأخر بأنه: اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون
المحكمة المختصة به.
وذهب البعض
الأخر إلى تعريفه بأنه: قيام الأطراف المتنازعة في مسألة معينة بالاتفاق على إخضاع
نزاعهم إلى طرف ثالث يختارونه لحسم هذا النزاع بقرار ملزم لهم[13].
أما عن التعريف القضائي للتحكيم فقد عرفته
محكمة النقض المصرية بأنه: طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طرق
التقاضي العادية وما تكلفه من ضمانات."[14]
وعرفته محكمة
التمييز (النقض) بدبي بأنه: "طريق استثنائي لفض المنازعات يتعين أن يتم
الاتفاق عليه صراحة."[15]
بقلم الطالب الباحث امحمد الهبطي
[1] ابن فارس، مقياس اللغة، ج2، ص: 91.
[2] ابن منظور، لسان العرب، الطبعة
الاولى، 1990, ج 12،دار الصادر للطباعة والنشر،
ص: 42.
[3] سورة النساء، الآية: 35.
[4] امحمد برادة غزيول، تقنيات الوساطة لتسوية النزاعات دون اللجوء
الى القضاء، الطبعة الاولى، 2015، الدار العالمية للكتاب والطباعة والنشر
والتوزيع، ص: 64.
[5] احمد ابو الوفا،، التحكيم الاختياري والاجباري، الطبعة الرابعة،
2001، منشأة المعارف الاسكندرية، ص: 15.
[6] قانون المرافعات الفرنسي المعدل بالمرسوم رقم 48 لسنة 2011
المعدل لقانون التحكيم.
[7] قانون العدد 42، بتاريخ 26/04/ 1993، المتعلق بإصدار مجلة
التحكيم.
[8] قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون 27
لسنة 1994.
[9]حفيظة السيد حداد،
الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الأولى، 2004،
منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ص: 42.
[10] المرجع نفسه، ص: 43.
[11] اسماعيل اوبلعيد، الطرق البديلة لتسوية المنازعات، الرباط
الطبعة الأولى، 2015، دار الطبع طوب بريس، ص: 50.
[12] حسين عبد العزيز، البدائل القضائية لتسوية النزاعات الاستثمارية
والتجارية –التحكيم والوساطة والتوفيق-
الطبعة الأولى، 2014، ص: 52.
[13] محمد عبد الخالق الزعبي، قانون التكيم كنظام قانوني قضائي اتفاقي
من نوع خاص ملحقا بأهم اتفاقيات وتشريعات التحكيم الدولي، الطبعة الأولى، 2019،
منشأة المعارف الاسكندرية، ص: 11.
[14] الطعن الرقم1004، جلسة27/12/1996، أورده خالد محمد مصطفى، موسوعة
التحكيم التجاري الدولي، الطبعة الاولى، 2002، دار الشروق، ص: 86.
[15] الطعن رقم51، جلسة24/5/1992، أورده خالد محمد مصطفى، مرجع سابق،
ص: 86.