نظام التحكيم التجاري الدولي
مقدمة
للتحكيم التجاري الدولي أهمية فائقة في
تنمية الاستثمارات الدولية والتعاون الدولي، خاصة أن رجال الأعمال الأجانب يحبذون
التحكيم على القضاء الرسمي المرهق بكثرة القضايا والمقيد بالمساطر والقواعد
القانونية الآمرة والبطء وغيرها من القيود التي قد لا تتلاءم والمناخ أو البيئة
التجارية.
وتتطلب طبيعة هذه المداخلة تقسيمها إلى
ثلاث مطالب:
المطلب الأول: ماهية التحكيم التجاري
الدولي.
المطلب الثاني: إجراءات التحكيم
التجاري الدولي.
المطلب الثالث: إشكاليات التحكيم
التجاري الدولي.
المطلب الأول: ماهية التحكيم التجاري
الدولي.
يمكن تعريف التحكيم بكونه وسيلة، الهدف
منها تسوية المنازعات التجارية بواسطة أفراد اختارهم الخصوم إما مباشرة أو عن طريق
وسيلة أخرى يرتضونها([1]).
وبالنسبة للتحكيم التجاري الدولي فإنه
لم تعرفه القوانين والاتفاقيات الدولية، إلا أنه يمكن القول من خلال تقنين قواعده
بأنه عبارة عن طريق قضائي استثنائي، أجازته القوانين والاتفاقيات الدولية، وأناطت
به مهمة الفصل في نزاعات الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من أشخاص القانون العام
وأشخاص القانون الخاص، التعاقدية والمادية، المدنية والتجارية، التي يجوز فيها
بناء على اتفاق الأطراف أو بموجب نص قانوني، من قبل أشخاص يعينون في اتفاق التحكيم
لكل قضية يسمون بالمحكمين، أو بموجب حكم نهائي وملزم، دون أن يتدخل القضاء في
شؤونه إلا بالمقدار الذي يحدده القانون لمساعدته أو لمراقبته([2]).
وقد نظم مشروع مدونة التحكيم، أحكام
التحكيم الدولي، وأفرد له الباب الثالث (16 مادة هي المواد من47إلى 62 مشروع) ولا
يخفى ما لهذا الأمر من تأثير على الاستثمار.
وقد نصت المادة 47 من مشروع مدونة
التحكيم على أنه:"تطبق مقتضيات هذا الباب على التحكيم الدولي مع مراعاة ما
تنص عليه الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية والمنشورة
بالجريدة الرسمية.
وعرفت المادة 48 من المشروع التحكيم
الدولي كما يلي "يعتبر دوليا التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية
والذي يكون لأحد أطرافه، على الأقل، موطن أو مقر اجتماعي بالخارج".
وينبغي تفسير التجارة بمعناها الواسع،
كما أن التجارة الدولية تشمل كل معاملة تتم على الصعيد الدولي بين الأشخاص الخاصة
والعامة من جنسيات مختلفة([3]).
المطلب الثاني: إجراءات التحكيم التجاري
الدولي.
تبدأ عملية التحكيم بتسمية المحكمين
باتفاق التحكيم، فإن لم يتفق الأطراف على ذلك أولم يحددوا طريقة تعيينهم، تقوم
الجهة المسماة في اتفاقهم التحكيمي أو الجهة الدولية التي تشرف على عملية التحكيم
بتسمية المحكمين وفقا للطريقة المحددة في قواعد التحكيم التابعة لتلك الجهة، مع
الأخذ بعين الاعتبار المبدأين التاليين:
أ-أن يكون لإدارة الخصوم شأن في اختيار
المحكمين ولو كان التحكيم إجباريا.
ب-المساواة بين طرفي النزاع من حيث
اختيار المحكمين فلا تكون لأحدهما ميزة على الآخر سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو
قانونية.
ولا يباشر المحكمون أعمالهم إلا بعد أن
يتسلموا طلبا من الخصوم بمباشرة إجراءات التحكيم، ويتحققوا من وجود اتفاق التحكيم
وسند تعيينهم، ومن دخول موضوع النزاع في نطاقه، ومن تأدية الخصوم لرسوم الدعوى
ونفقات التحكيم.
وتقضي أنظمة التحكيم الدولية بأنه إذا
جرى رد المحكم المعين أو امتنع هذا الأخير عن العمل أو استقال منه لسبب أو لآخر،
فإنه يحق للجهة الإدارية كمحكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية مثلا- التي تشرف
على المحكمين، أن تستبدل هذا المحكم بمحكم آخر وفقا للطريقة التي عين بها المحكم
السابق.
وتأكيدا على مبدأ مرونة الإثبات في
قضايا التحكيم التجاري الدولي، فإنه يحق للمحكمين تعيين مكان التحكيم وإصدار الحكم
ما لم يكن الأطراف قد حددوا ذلك في اتفاق التحكيم، كما يحق للخصوم أن يحضروا أمام
المحكمين بأنفسهم أو بواسطة وكلاء عنهم([4]).
ويلتزم المحكمون بإصدار الحكم خلال
المدة المعينة في الاتفاق، أو المحددة في نظام المؤسسة المشرفة على عملية التحكيم،
وتملك هذه الجهة سلطة تمديد تلك الفترة بطلب من المحكمين أو من تلقاء نفسها في
حالة الضرورة القصوى دون أن ينال ذلك من صحة الحكم. ويصدر الحكم بإجماع آراء
المحكمين أو بأكثريتهم. فإذا لم تتوفر الأكثرية، تفوض قواعد غرفة التجارة الدولية
رئيس هيئة التحكيم لوحده بإصدار الحكم، ويعتبر هذا الحكم صحيحا وقابلا للتنفيذ، ما
لم يشب هذا الإجراء مخالفة قانونية ترتكب بإصدار الحكم.
والغاية من هذا التفويض هي تفادي تعطيل
إصدار الحكم وحسم النزاع بعد الحصول على أكثرية الآراء. ويعتبر الحكم الصادر عن
المحكمين نهائيا ما لم يتفقوا على خلاف ذلك.
ويعتبر الحكم نافذا بين الخصوم من
تاريخ صدوره إذا صدر صحيحا مستوفيا شروط صحته وبياناته الأساسية المحددة في قواعد
إصداره، ويبلغ للأطراف وفقا للطريقة المحددة في تلك القواعد، ويمنح الخصوم أصل
الحكم لإكسائه صيغة التنفيذ.
المطلب الثالث: إشكاليات التحكيم
التجاري الدولي.
على الرغم من ذيوع التحكيم التجاري
الدولي، فإنه لا زالت تثار عدة إشكالات ترتبط بهذا النوع من التحكيم ومن أهمها ما
يتعلق باستقلالية شرط التحكيم وما يتعلق بالقانون المطبق على النزاع.
الفقرة الأولى: استقلال شرط التحكيم.
مسايرة من القضاء الفرنسي للتطور
السريع لنظام التحكيم أقر مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد، إذ لا يتأثر شرط
التحكيم بفسخ أو بطلان العقد الذي كان الشرط أحد بنوده.
ولقد كانت هذه المسألة محل تردد في
القضاء الفرنسي يوم كانت الصبغة التعاقدية هي الغالبة على طبيعة التحكيم حيث كان
مصير شرط التحكيم مرتبطا بمصير العلاقة التعاقدية.
وقد اتجهت محكمة النقض الفرنسية في
قرار لها بتاريخ 7 ماي 1963 إلى القول بأنه "حيث يتضح أن الأطراف لهم الحق في
اللجوء إلى قانون أجنبي يبيح شرط التحكيم فهم حينئذ قد توصلوا إلى إيجاده بصورة سليمة
لأن بطلان شرط التحكيم لا يتعلق بالنظام العام.
وقد نحت نفس المنحى هيأة التحكيم
الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس في قرار لها بتاريخ 1968.
الفقرة الثانية: القانون المطبق على
النزاع.
من المسلم به أن للأطراف الحق في تعيين
القانون الذي يحكم العقد ما دام أن ذلك لا يصطدم بالقواعد الآمرة لكن في حالة غياب
اختيار الخصوم صراحة لقانون وطني معين لحكم موضوع المنازعة التي تطرح على التحكيم.
فإن الصعوبة التي تثار أمام المحكم الدولي هي معرفة نية الأطراف في إخضاع منازعتهم
لقانون معين.
الجواب عن ذلك وما استقر عليه قضاء التحكيم
التجاري الدولي أن المحكم يتمتع في هذا الصدد بقدر من السلطة التقديرية إلا أنها
سلطة تقف عند ضرورة استظهار المحكم لمؤشرات موضوعية لهذه الإرادة.
وتوضح أغلب قرارات التحكيم الصادرة في
هذا الإطار أنها كانت تميل في الغالب إلى إعمال قانون محل إبرام العقد أو قانون
محل التنفيذ باعتبارهما الأنسب موضوعيا لظروف المال([5]).
خاتمة:
في نهاية هذه المداخلة ندعو السلطة
التشريعية بألا تبقى عابئة بالسباق الدولي ونتائجه الاقتصادية حول تشجيع التحكيم
التجاري الدولي بل عليها أن تبادر إلى تنظيمه في قوانينها الداخلية. وربما يكون
إدخال مشروع مدونة التحكيم حيز التنفيذ كافيا لملئ هذا الفراغ التشريعي.
نظام التحكيم التجاري الدولي
من إعداد الطالب
الباحث: حكيم السالمي
[1]
-
محمد الإدريسي العمراوي: إشكالية التحكيم التجاري الدولي، مقال منشور بالمجلة
المغربية للتحكيم التجاري، ص 65.
[2]
-
أحمد الشيخ قاسم دور التحكيم التجاري الدولي، ، مقال منشور بالمجلة المغربية
للتحكيم التجاري، ع 65.ص3.
[3]
-
عبد المجيد غميجة: قراءة في مشروع مدونة التحكيم، مداخلة في أشغال الندوة العلمية
التي نظمتها شعبة القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
بفاس بشراكة مع وزارة العدل وهيئة
المحامين بفاس يومي 4-5 أبريل 2004 ص 37.
[4]
-
أحمد شكري السباعي: الوسيط في النظرية العامة في قانون التجارة والمقاولات
التجارية والمدنية،الجزء الأول، ص 180.
[5] -René david, l'arbitrage dans le
commerce international, Economica edition 1982 p410.